الأحد، 18 يونيو 2017

.نافذة على الشعراء العرب......خالد ع خبازة

نافذة على الشعراء العرب
الشاعر الأول
الأحوص الأنصاري
عبدالله بن محمد بن عبدالله بن عاصم الأنصاري ، من بني ضبيعة ، لقب بالأحوص لضيق في عينه .
شاعر اسلامي أموي هجاء ، صافي الديباجة ، من طبقة جميل بن معمر و نصيب ، و كان معاصرا لجرير و الفرزدق .
كان من سكان المدينة ، وفد على الوليد بن عبدالملك في الشام فأكرمه ، ثم بلغه عنه ما ساءه من سيرته ، فرده الى المدينة ، و أمر بجلده فجلد ، و نفي الى دهلك و هي جزيرة بين اليمن و الحبشة ، كان بنو أمية ينفون اليها من يسخطون عليه ، و بقي فيها الى ما بعد وفاة عمر بن عبدالعزيز ، و أطلقه يزيد بن عبدالملك ، فقدم دمشق و مات بها سنة 105 هجرية الموافق 723 ميلادية .
و كان حماد الراوية يقدمه في النسيب على شعراء زمانه .
استجاد ابن الأعرابي قول الأحوص ، من البسيط و الفافية من المتراكب :
النفس ، فاستيقنا ، ليست بمعولة ... شيئا و ان جلّ الا ريث تعترفُ
ان القديم و ان جلّت رزيته ... ينضو فيُنسى و يبقى الحادثُ الأنف
و هذان البيتان يذكران بأبيات لأبي خراش الهذلي في المعنى نفسه .. يقول فيهما :
حمدت الهي بعد عروة اذ نجا ... خراش ، و بعض الشر أهون من بعض
بلى .. انها تبلى الكلوم و انما ... نوكّلُ بالأدنى و ان جلّ ما يمضي
و قال الأحوص حين جلد بأمر من الوليد بن عبدالملك ، في أبيات :
ما من مصيبة نكبة أعنى بها ... الا تعظمني و ترفع شاني
و تزول حين تزول عن متخمط ... تُخشى بوادره على الأقران
اني اذا خفي اللثام رأيتني ... كالشمس لا تخفى بكل زمان
فلما ولي عمر بن عبدالعزيز ، فكتب اليه يستأذنه في القدوم و يمدحه ، فأبى أن يأذن له ، و كتب فيما كتب اليه به :
أيا راكبا اما عرضت فبلغن ... هديت أمير المؤمنين رسائلي
و قل لأبي حفص اذا ما لقيته ... لقد كنت نفاعا قليل الغوائل
و كيف ترى للعيش طيبا و لذة ... و خالك أمسى موثقا بالحبائل
فأتى رجال من الأنصار عمر بن عبدالعزيز ، فكلموه فيه و سألوه أن يقدمه ، و قالوا قد عرفت موضعه و نسبه و قدمه ، و قد أخرج الى أرض الشرك ، فنطلب اليك أن ترده الى حرم رسول اللهم صلى الله عليه و سلم ، و دار قومه .. فقال لهم عمر: فمن الذي يقول :
فما هو الا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب
قالوا : الأحوص .. قال : فمن الذي يقول :
أدور و لولا أن أرى أم جعفر .. بأبياتكم ما كنت حيث أدور
و ما كنت زوارا و لكن ذا الهوى ... اذا لم يزر لا بد أن سيزور
قالوا : الأحوص . قال : فمن الذي يقول :
كأن لبنى صبير غادية ... أو دمية زينت بها البيع
الله بيني و بين قيمها ... يفر مني بها و أتبع
قالوا : الأحوص . قال : فمن الذي يقول :
ستبقى لها بين مضمر القلب و الحشا ... سريرة حب يوم تبلى السرائر
قالوا : الأحوص .قال : ان الفاسق عنها يومئذ لمشغول . و الله لا أرده ما كان لي سلطان .
و يقال ان يزيد بن عبدالملك سمع جاريته حبابة تغني هذين البيتين :
اذا رمت عنها سلوة قال شافع ... من الحب ميعاد السلو المقابرُ
ستبقى لها في مضمر القلب و الحشا ... سريرة ود ، يوم تبلى السرائر
فطرب يزيد و قال لها : من يقول هذا الشعر ؟ . قالت : لا و عينيك ما أدري .
قال : ابعثوا اليّ ابن شهاب الزهري ، فعسى أن يكون عنده علم بذلك . و كان قد ذهب من الليل شطره . فأتي به ، فلما صعد اليه ، قال : لا بأس عليك ! لم ندعك الا لخير . فجلس و سأله عن قائل هذا الشعر ؟ فقال : الأحوص .
قال : ما فعل به ؟ . قال : قد طال حبسه ، فأمر بتخلية سبيله ، و أن يدفع له أربعماية دينار ، ثم قدم عليه و أحسن اليه احسانا جزيلا و أكرمه .
و قيل انه لما ولي عمر بن عبدالعزيز الخلافة .. أدنى زيد بن أسلم ، و جفا الأحوص ، فقال له الأحوص :
ألست أبا حفص هديت مخبري ... أفي الحق أن أقصى و يدنى ابن أسلما
فقال عمر بن عبدالعزيز : ذلك هو الحق ! .
و يقول الأحوص في هذه القصيدة :
ألا صلة الأرحام أدنى الى التقى ... و أظهر في أكفائه لو تكرما
فما ترك الصنع الذي قد صنعته ... و لا الغيظ مني ليس جلدا و أعظما
و منا ذوي قربى لديك فأصبحت ... قرابتنا ثديا أجدّ و أعظما
و كنت و ما أمّلت منك كبارق ... لوى قطره من بعد ما كان غيّما
و قد كنت أرجى الناس عندي مودة ... ليالي كان الظن غيبا مرجّما
أعدّك حرزا ان جنيت ظُلامة ... و مالا ثريا حين أحمل مغرما
تدارك بعتبى عاتبا ذا قرابة ... طوى الغيظ لم يفتح بسخط له فما
يقال ان الهذلي قال :
سألت الفرزدق يوما من أشعر الناس ؟ فقال : أشعر الناس بعدي ، ابن المراغة ( يعني جريرا ) . قل فمن أنسب الناس ؟ .. قال : الذي يقول :
يا للرجال لوجدك المتجدد ... و لما تؤمل من عقيلة في غد
ترجو مواعد بعث آدم دونها ... كانت خبالا للفؤاد المقصد
هل تدركين عقيل أو أنساكِهِ ... بعدي تقلب ذا الزمان المفسد
يومي و يومك بالعقيق اذ الهوى ... منا جميع الشمل لم يتبدد
لي ليلتان فليلة معسولة ... ألقى الحبيب بها بنجم الأسعد
و مريحة همي عليّ كأنني ... حتى الصباح معلق بالفرقد
قلت : ذاك الأحوص . قال : ذاك هو .
قال الهذلي : ثم أتيت جريرا .. فقلت له : يا أبا حرزة ! من أنسب الناس ؟ قال : الذي يقول :
يا ليت شعري عمن كلفت به ... من خثعم اذ نأيت ما صنعوا
قوم يحلون بالسدير و بالــ ... ـــحيرة منهم مرأى و مستمع
أن شطت الدار عن ديارهم ... أأمسكوا بالوصال أم قطعوا
بل هم على خير ما عهدت و ما ... ذلك الا التأميل والطمع
قلت : و من هو ؟ قال : الأحوص . فاجتمعا على أن الأحوص أنسب الناس .
و اعتبر ابو الفرج الأصفهاني هذه الأبيات من المائة المختارة يقول فيها من البسيط و القافية من المتراكب :
يا دين قلبك منها لست ذاكرها ... الا ترقرق ماء العين أو دمعا
أدعو الى هجرها قلبي فيتبعني ... حتى اذا قلت هذا صادق نزعا
لا أستطيع نزوعا عن محبتها ... أو يصنع الحب بي فوق الذي صنعا
كم من دنيّ لها قد صرت أتبعه ... و لو سلا القلب عنها صار لي تبعا
و زادني كلفا في الحب أن منعت ... أحب شيء الى الانسان ما منعا
كان الأحوص يشبب بأم جعفر ، و هي امرأة من الأنصار من بني خطمة .. فلما أكثر من التشبيب بها توعده أخوها .. و فيها يقول من الطويل و القافية من المتواتر :
لقد منعت معروفها أم جعفر ... و اني الى معروفها لفقير
و قد أنكرت بعد اعتراف زيارتي ... وقد وغرت فيها علي صدور
أدور و لولا أن أرى أم جعفر ... بأبياتكم ما كنت حيث أدور
أزور البيوت اللاصقات ببيتها ... و قلبي الى البيت الذي لا أزور
و ما كنت زوارا و لكن ذا الهوى ... اذا لم يزر لابد أن سيزور
أزور على أن لست أنفك كلما ... أتيت عدوا بالبنان يشير
و يقال ان أم جعفر عندما أكثر الأحوص من التشبيب بها ، جاءته منتقبة في مجلس قومه ، و أخذت تطالبه بدين لها في ذمته .. فأنكر ذلك . و لما كشفت عن وجهها ، أقسم أنه لا يعرفها و لم يرها من قبل .. فقالت : يا عدو الله صدقت و الله ليس لي عليك حق و لا تعرفني ، و قد حلفت على ذلك وأنت صادق ، و أنا أم جعفر التي تشبب بها في شعرك ،. فخجل الأحوص ، و برئت عند القوم .
...
الشاعر الثاني
ابن سنان الخفاجي
عبدالله بن محمد بن سعيد بن سنان ، أبو محمد الخفاجي الحلبي .
شاعر أخذ الأدب عن أبي العلاء المعري و غيره .
ولد في عام 423 هجرية ، 1032 ميلادية .
كانت له ولاية بقلعة " عزاز " من أعمال حلب ، و عصى بها ، فاحتيل عليه باطعامه أكلة تدعى " خشكناجة " ، كانت مسمومة ، فمات و حمل الى حلب ، سنة 466 هجرية الموافق 1073 ميلادية .
قرأت له هذه القصيدة الجميلة ، عروضها من المتقارب و قافيتها من المتدراك تتألف من 42 بيتا اخترت منها هذه الأبيات :
اذا حدَتِ الريحُ عيسَ الحيا ... و هتَّك بالبرق ستر الدجى
و ظلّ يفوِّف جوَّ الرياض ... و يصقلها بنسيم الصبا
فمنطقَ منها خصور الوهاد ... و توَّج منها رؤوس الربا
و قبّل منها ثغور الأقاح ... مداعبة لخدود المها
فجلّى الغوير بأوضاحه ... و نجَّده برقُهُ المنتضى
فراح على تربها باكيا ... بجفن الرياض و دمع الندى
و من قصيدة عروضها من الطويل و القافية من المتدارك ، يمدح بها ناصر الدولة يقول :
أناخ علي الهم من كل جانب ... بياض عذارى في سواد المطالب
و كنت أظن الأربعين تصده ... فما قبلت فيها شهادة حاسب
طلبت الصِّبا من بعدها فكأنما ... علقت بأعجاز النجوم الغوارب
و ما ساءني فقد الشباب و انما ... بكيت على شطر من العمر ذاهب
بكى الناس أطلال الديار و ليتني ... وجدت ديارا للدموع السواكب
أأحبابنا هل تسمعون على النوى ... تحية عان أو شكاية عاتب
فما لقلوب العاشقين مزية ... اذا نظرت أفكارها في العواقب
و لا الشوق الا في صدور تعودت ... لقاء الأعادي في لقاء الحبائب
جزى الله عنا العيس خيرا فطالما ... فرقت بها بيني و بين النوائب
كفتنا ثقيل الهم عنا كأنما ... رمينا بها فوق الذرى و الغوارب
و ان صدقت في ناصر الدولة المنى ... فما هي الا من أيادي الركائب
طويت اليك الباخلين كأنما ... سريت الى
شمس الضحى في الغياهب
و شرفني قصدي اليك و انما ... يبين بقصد البيت فضل المحارب
فمن كان يبغي في المديح مواهبا ... فان مديحي فيك بعض المواهب
و قال من قصيدة عروضها من الرمل و القافية من المتراكب :
أترى طيفكم لما سرى ... أخذ النوم و أعطى السهرا
أم ذهلنا و تمادى ليلنا ... فتوهمنا العشاء السحرا
ما نلوم الليل بل نعذره ... انما طوّله من قصّرا
ان لبسناه ظلاما داجيا ... فبما كان صباحا مسفرا
يا عيونا بالغضا راقدة ... حرّم الله عليكن الكرى
لو عدلتن تساهمنا جوى ... مثلما كنا اشتركنا نظرا
سل فروع البان عن قلبي فقد ... وهِم البارق فيما ذكرا
قال في الربع و ما أحسبه ... فارق الأظعان حتى انفطرا
حبذا فيك حديث طاهر ... فطن الدمع به فانتشرا
نظرٌ موّه دمعا لم يزل ... يُفصح الوجد به حتى جرى
...
خالد ع . خبازة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق