الاثنين، 27 أغسطس 2018

حب لم يرى النور ........بقلم //حليمة نور الدهيري


حب لم يرى النور
كان مألوفا مشهده وهو يخرج صباحا متأبطا حقيبته للعمل ويعود مساءا ، الكل يعرف زكريا ذَاك الفتى ذو الخامسة والعشرين ربيعا المؤدب ، وحيد والديه اللذين حرصا كل الحرص ان يلقنوه جميع أنواع الأدب والعلم، انخرط في أول الامر بدراسة القرآن على يد أحد المشايخ بعدها التحق بالمدرسة وكان قدوة لزملائه في الأخلاق الكريمة والتحصيل ، إلى أن بلغ المرحلة الجامعية. قضى حياته گأي شاب يكد ويجتهد ليحقق مستقبله ويحلم بحياة مستقرة .
زكريا شاب وسيم ، حباه الله الجمال والاخلاق ، وكان محبوبا من كل الجيران ، بأدبه واحترامه للكبير والصغير الكل يعرفونه بتعاونه مع أولاد الجيران في إنجاز ما صعب عليهم من التمارين المدرسية. وخصوصا مادة الانجليزية التي كان متفوقا فيهاكثيرا .
ذَات صباح وهو في طريقه. للجامعة. لاحظ حركة غير عادية في البيت المقابل والذي ظل سنوات مهجورا ، تساءل فقيل له لقد بيع لأناس من مدينة الحسيمة . لم يهتم للأمر كثيرا وتابع خطواته الى الجامعة . وفِي المساءوهو بطريقه للبيت خطف بصره فتاة هيفاء ،شقراء الشعر ،بيضاء البشرة ، يخيل للناظر إليها للوهلة الاولى انها أجنبية وكان عمرها لا يتعدى العشرينات فما تحت . فعلا غريب ما وقع لزكريا اول مرة . وجد نفسه يبحرفي ملامح الشقراءوأناقتها. وفجأة سمع أحد يناديها من شرفة البيت رانيا .
ظل زكريا يردد في أعماق نفسه اسم الفتاة رانيا ، جميل جمال صاحبته.
ولا شعوريا وجد نفسه يبحت عن تفاصيل حياتها وسيرتها الذاتية وكل صغيرة وكبيرة تتعلق بها ،
هو بنفسه إستغرب لردة فعله في البحث عنها دون علم بما نسج له القدر .
مضت الايام بلا جديد يذكر إلى ان كان ذات يوم في غرفته يرتب أغراضه إذ بالشقراء رانيا تطل من شرفتها التقت الأعين فجأة وبدون موعد.ولغة العيون أحيانا أبلغ من لغة الكلام ، خجل من نفسه فأخلاقياته لا تسمح بهذه الاعمال المشينة وهو الذي يضرب به المثل في الحشمة والوقار وغض البصر .
كانت لحظات غيرت مجرى حياة زكريا .لا شعوريا وجد عقله مشغول بالتفكير في الشقراء ، دخلت حياته فجأة وبدون إستئذان، وتشاء الظروف ان يلتقيا دون تخطيط مسبق ، رآها في مدرجات الجامعة، وكانت زميلة له في نفس الشعبة ، التقيا، باغتته بالسلام والسؤال ووجد نفسه منساقا لها وكأنه يعرفها من زمان .طلبت منه أن يساعدها في نقل ما فاتها من محاضرات .
تعمقت صداقتهما وباح لها بحبه وتواعدا على الزواج.الى ان كان آخر سنة دراسية لها بالجامعة قرر الأهل ان يرجعوا للحسيمة ويتركوا بيتهم هذا للعطل .
إفترقا وتواعدا على الزواج والتقدم لخطبتها فور تخرجهما.
إستمر تواصلهما عبر الشبكة العنكبوتية والهاتف إلى أن تخرجا.
وكان لزاما على زكريا أن يقضي فترة تدريبية بفرنسا لمدة ست شهور . وبتشجيع من رانيا وإلحاحها الشديد لتحقيق مستقبله رضخ للأمر مرغما وكله أمل على أن تنتهي هذه الفترة بسرعة ويرجع ليحتفل بأميرته رانيا في قصر الزوجية...
مضت الايام بطيئة والحبيبان على تواصل الى ان انقضى الشهر الخامس ومنيا نفسهما بقرب اللقاء وبدأ يخططان للعرس والحضور وتصميم عِش الزوجية.
وكانت فرحتهما لا تحد .
الى ان كان شهر يناير ولَم يبق له الا شهر ليتم تدريبه. إتصل برانيا تليفونها لا يجيب ، وكذا صفحتها مغلقة، إرتاب تساءل ما العمل؟ كيف له ان يتواصل ليعرف أخبارها.
وسرعان ماتذكر هاتف صديقتها ولكن حاول مرارا ولكن دون جدوى .
فكر طويلا ما العمل؟ بقي له شهر لينزل بسلام.
وجب عليه الصبر فرانيا لن يرضيها إلا نزوله متوجا بشهادته العليا.
مر الشهر بطيئا وجاءت لحظة التتويج التي لم تعرف الفرح ، شيء بداخله يعذبه ،ذرفت عيناه دمعا جمع حقائبه وعزم على السفر ليلا في المطار قيل له بان مدينة الحسيمة أصابها زلزالا مدمرا لم ينجوا منها الا القليل، لقد فرق الحبيب عن حبيبته والزوج عن ابنائه والام عن رضيعا وهناك أسر قضت بالكامل .
إستجمع قوته وتمنى ان تكون حبيبته من ضمن الناجين .
وفي لحظة فارقة لم يعد يعرف شيئا عن حبيبة القلب ولقي لها العذر وظل خياله عالقا بها . تمر الأيام والسنين وتشاء الأقدار ان يلتقياوفي لحظة فارقة وهو في العناية المستعجلة بعدان التقى صديقة رانيا والتي حكت له عن حالتها المؤلمة ولهول المفاجأة التي قطعت حباله الصوتية وأوقعته مغمى عليه نقل على إثرها للمستعجلات. ولحسن الصدف تلقى الإسعافات الأولية في نفس المستشفى التي تتعالج به رانيا نهض رفقة صديقتها. التي أخدته الى غرفتها بعد ان عرفته بحالها وحكت له فقدانها لرجلها اليمنى وأنها لازالت ترقد المستشفى بعد ان فقدت الذاكرة أياما معدودة و فقدت الكثير من الدماء ودخلت في غيبوبة وقتها ، هب مهرولا للقاء عروسه وليسعد بلحظات الوئام ..
تعانقا طويلا ، حكى لها عن شوقه ولهفته ، مد يديه ليتلمس وجنتي حبيبته . وإذ بقطرات من الدموع ساخنة تنزل على يديه ، حضنها بعنف ووعدها أن لا يتخلى عنها ..
ولكن القدر خيب إرادته لقد فارقت الروح وهي بين ذراعيه ..
وهكذا كانت خاتمة قصتهما التي عرفت العفة والصدق كان حبا حقيقيا. والذي لم يعرفه زكريا ان رانيا لم تنساه في لحظة من اللحظات. كما خَيل له . بل الحبيبة العفيفة رانيا آثرت التضحية كي لا تزيد زكريا عبئا وتحمله فوق طاقاته، وهكذا قطعت كل حبل تواصلهما وصممت على إسدال الستار على روايتهما ، ودعت له من أعماق قلبها أن يوفقه الله الى نصفه الثاني ويسعده في حياته المستقبلية مضت الايام تترى ، وظنت رانيا ان زكريا نسيها وسارت حياتها رتيبة وهي التى تعودت على الحركة والحيوية تحاول الآن جاهدة ان تتأقلم حياتها على الكرسي المتنقل وحياة الرتابة، كانت لا زالت تخضع للعلاج ولا زالت مسيرتها مطولة وكان عزاؤها الوحيد استرجاع ذكرياتها مع زكريا ومعاودة قراءة كل ما خطط لها . إلى أن كان اليوم الذي جاء الى الحسيمة سائلا مستقصيا عن كل أخبارها..
خلد للحزن أيام وليالي ، ومن خوف عائلته على وحيدهم ، حاولوا بشتى الطرق إخراجه من وحدته المميتة، مرت سنة وبدأشيئا فشيئا يرجع لحياته العادية وفجأة إقترح عل والديه تزويجه وكان له ما أراد ورزقه الله بمولودة جميلة أطلق عليها إسم رانيا وكانت قرة عينه وسعادته.
أعطاها كل الحنان والوقت ورباها أحسن تربية ، ووفر لها كل سبل الحياة المرفهة . مضت حياتهما مستقرة هادئة ، وكأعتراف منه بحق زوجته عليه قررا أن يأخذ زوجته وابنته رانيا عمرة وكان له ما أراد ...
رانيا الان في السلك الثانوي وقد ورثت نباهة أبيها وكده واجتهاده ، كلها طموح وأمل أن تحقق أملها وتصبح دكتورة يشار لها بالبنان .
/حليمة نور الدهيري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق