السبت، 27 أكتوبر 2018

الشاعر الاديب الكبير أحمد المقراني ..قصيدة بعنوان بين الماضي والحاضر ..المحررة ليمار

بين الماضي والحاضر( فذلكة جد وهزل).
سل المواضي البيض عن عز ماضــــينا°° وقارن الأمس باليوم واذكر ما جرى فينا
واستنـــــــطق الدهر لتعرف ماذا حل بنـا°° فقد أولانا الهــــــــــوانَ داءُ تجـــــــــافينا
أحمد المقراني
لم أتذكر المكان والزمان بدقة إذ المهم أن الحادثة وقعت في زمننا هذا، الزمن البئيس والمَرْبع التعيس.ارتفعت الشمس وتربعت في كبد السماء، شعر العاملان بالتعب قد هد قواهما، وكعادتهما في مثل هذا الوقت أن يتجها إلى شجرة التوت الوارفة الضلال لأخذ قسط من الراحة ،خرجت متجولا أبحث عن متنفس،وصادف أن رأيتهما تحت تلك الشجرة فقصدتهما قصد المسامرة لعل في ذلك إفادة واستفادة،وجدتهما في حالة من الإحباط ،خاصة لما رأيا ذلك الكهل ذي السحنة الغربية بقده الطويل ورأسه الضخم المتوج بالشعر الأصفر المحمر وكأنه شعر مستعار،هذا الرجل المتمنطق لحزام صفت عليه سلسلة من خراطيش الرصاص الحي يتدلى منه مسدس تماما كما نرى مثله في أفلام رعاة البقر، الغريب كان يحمل دلوا اتجه به نحو بقرة هؤلاء المساكين ،البقرة التي فُصلت عن القطيع بهدف إيـــلائها عناية خاصة والحال أنها مصدر غذاء لعائلتين فقيرتين. قطّ الغريب غصنا من الشجرة وبه طرد العجل الأحق، وانهمك يحلب البقرة وينظر باستــــهزاء إلى العاملين، الذين لم يستطيعا التفوه ولو بكلمة واحدة. أردت أن أسري عنهما، وأجبر من كسر نفسيهما، وأذكرهما بماضي أمتهما التليد، وباختصار بدأت بالفتوحات الإسلامية وأولها الفتح العظيم فتح مكة ثم التوجه نحو الشرق والشمال فكانت بدر وأحد واليرموك والقادسية ، الإمبراطوريتان العظيمتان الفرس والروم أصبحتا لقمة سائغة للجيوش الإسلامية الفاتحة، شعر المستمعان بالانتعاش ودبت فيهما النخوة والعزة خاصة لما توجهتُ بهما شطر المغرب مصر وما يسمى اليوم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب زاد حماس الرجلين مما شجعني على مواصلة السرد والمبالغة في التفاصيل، حيث كان الزبير بن العوام وغيره من قادة الفتح، يتحدون الأعداء من المستعمرين الروم وأتباعهم فيخرجون إلى ساحة الوغى وينادون :هل من مبارز ؟هل من مناجز.ويخرج لهم الجندي مدججا بالسلاح مثقلا بالدروع، فلا بلبث أن يحمل عليه البطل المدجج بالإيمان ، تحدوه الرغبة في الفداء. يحمل عليه حملة هاشمية من نسل عبد المطلب وبضربة محكمة يقط رأسه فيزيله عن جسمه ويعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار،يصيح صاحبي بصوت واحد: اركــــزْ... الله أكبر،حتى أنهما في بعض المواقف يقفان للتهنئة،كنت أنوي المواصلة لذكر بطولات طارق بن زياد وغزو بلاد الأندلس وحرق السفن وما فعله بالرذريق، وتقدم المسلمين حتى جبال البرني ووصولهم إلى تولوزة بجنوب فرنسا،وأعرّج على إسهامات المسلمين في مجال علم الاجتماع والفلسفة والأدب ،وعلم الطبيعة والفلك والصيدلة والطب،وعلم الآلية والحيل الميكانيكية.... إلا أننا رأينا شيخا مقبلا يدفع بالكاد حماره، ظننا أنه بائع متجول إلا أنه لما اقترب تبين أنه غير ذلك ،من لباسه وسماته تبين أنه شرقي، ومن صوته وهو ينهر حماره،  تبين لنا أنه من بلاد مابين النهرين،  قلت في نفسي: أنها مناسبة لإشراك الطارق المنتاب في سماع بقية الخطاب.لعل الرجل استمع إلى آخر ما جد في الوصف، وبدل أن يشجعنا على مواصلة السرد ، أشار بعصاه أن توقف،وأنشأ وهويطوّح برأسه يمينا وشمالا هزؤا واستخفافا :
أرى مستقــبل الأيـــام أولــى°° بمَطْمَح من يحاول أن يسودا
فما بلغ الــمقاصــد غيرُ ساع°° يردّد في غـــــدٍ نظراً سديدا
فَوَجِّه وجــه عــزمك نحوآت°° ولا تَلفِت إلى الماضــين جيدا
وهل أن كــان حاضرنا شقيّاً°° نسود بكون ماضـــينا ســـعيدا
تقدّم أيهـــا العربـــيّ شوطـــاً°° فإن أمامك العـــيش الــرغيدا
وأسّس في بنـــائك كـــل مجدٍ°° طريف واتـرك المــجد التليدا
فشرّ العالـــمين ذوو خُمـــول°° إذا فاخـرتهم ذكروا الجــدودا
وخيرالناس ذوحـــسب قـــديمٍ°° أقام لنـفسه حســـــباً جــــديدا
تراه إذا ادعى في الناس فخراً°° تقيـم له مكارمُه الشـــــــهودا
فدعني والفخارَ بمـــــــجد قوم°°مضى الزمن القديم بهم حميدا
قد ابتسمت وجوه الدهر بيضاً°° لهم ورأيننا فعـــــــبسن سودا
وقد عــــــهدوا لنا بتراث ملك°° أضعنا في رعايته العــــهودا
وعاشوا ســـادة في كل أرض°° وعشنا في مواطــــننا عــبيدا
إذا ما الجــــــهل خيّم في بلاد°° رأيت اســودها مُسِخَت قرودا
كان الشيخ يلقي بقوة وحماس قصيدته، وينظر من حين لآخر إلى الغريب وهو يحلب بقرة الفقراء.أعجبتني أفكار القصيدة، إلا أني تبرمت من قطعه سلسلة الأحداث المنعشة، ليعيدنا إلى الواقع المرير. حاولت معارضته في بعض ما أبداه، فرفع صوته متحججا بالواقع المعيش، فحاولت إقناعه ورفعت صوتي أكثر، مستعينا بحركات يدي التي أغاضته ، فلم أشعرإلا وعصاه تداعب أم رأسي فتشجه،صحت صيحة المغدور، وانتفضت انتفاضة المقرور في عاصفة البرد والريح، أو العصفور المتردي الذبيح. فتحت عيني لأجد الزوجة مرعوبة وهي تكرر: بسم الله الرحمان الرحيم .......استغرقت في الضحك بينما المخلوقة تحاول معرفة ما وقع لي .
حقا إنها قصيدة الشاعر الحر معروف الرصافي،  التي حفظتها ولا زلت أحفظها منذ كان عمري 10 سنوات،  وعادت اليوم لتذكرني بواقع أمتنا فقدمتها بهذه الفذلكة،  التي تحكي واقع الحال،  وتزاوج بين الحقيقة والخيال . أحمد المقراني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق