الجمعة، 30 مارس 2018

مجلة شعراء موسيقى الشعر.. الشاعر الكبير محمد رشاد محمود.. قصيدة حفيدي آدم ..المحررة الشاعرة ميسم بارودي / تحياتي

14 ساعة
حفيديَ آدَم
(في عامِهِ الأوَّل)
شَرَعتُ في نظم هذه القصيدة وبي ضَرَبانٌ مُلِحٌّ مُوجِعٌ بأعلَى الكتِف ، ولم أكَد أقطَعُ منها أبياتًا حتَّى استَشرَى فتسَرَّبَ إلى الظَّهر ، فشَبِّ ضِرامًا حَولَ الوَسَط ما عُدتُ أملكُ في قَبضَتِهِ أن أنصبَ ظهرًا أو أقَرَّ على مَقعَد .. وكنتُ وأنا طريحُ الفِراشِ ، أتَشَحَّطُ في سَيَّالٍ من العَرَقِ وتعتادني رِعدَةٌ مِنْ وَقدِ الحُمَّى ، يَلِحُّ على خاطِري البَيتُ وإنَّ صَوتَ الصَّغيرِ لَيَتأدَّى إلى سمعي مِن بعيدٍ ، فلا يَدَعُني حتَّى أَخُطَّهُ دونَ أنْ أتَبَيَّنَ رَسمَهُ ، حتَّى إذا قارَبتُ الإبلالَ دَبَجتُها على ذلكَ النَّحو ، فما كانَ فيها مِنْ تَقريبٍ ؛ فمَرجِعُهُ إلى سبوغِ العافِيَة ، وما كانَ فيها مِن تَخليطٍ فَمَرَدُّهُ إلى التِهابِ العَصَب ودُفَّاعِ الأَلَم وضِرامِ التَّوَجُّع .
حفيــــديَ آدَمُ نَــفْـــــحُ السَّـــمــــاءْ
وفَيـْـــــــضُ المَسَـرَّاتِ ذَودُ الشَّقــاءْ
حُبيـــتُ بِـــــــــهِ مُقْـصَـدًا لِلـــوَداعِ
فَـدَفَّـقَ مَســــــرَى الهـشيـــمِ العَـزاءْ
أُبــادِلُـــــهُ الشَّــــوقَ مَــــا بَثَّنيــــهِ
وأفهَـــــمُ عَنْــــــــهُ إذا قَــــــــالَ آءْ
ويَنْــــــطِقُ لا عَـنْ جَلِـيِّ الحـروفِ
ولَكِــــــنْ لَـــــهُ مَنْـطِـقُ الأصفيــَاءْ
يُنـادي ” مهَــــــمَّـد ” قُبَيْــلَ الفِـطامِ
بِعَيـْــنَـيَّ والقَلــــــبِ ذاكَ النِّـــــداءْ
كأنَّـــا نَجِيَّــــــانِ صَفـــــوًا بِصَفْـــوٍ
بِــلا كُلـــفَةٍ أو قَــصًى أو جَفـــــاءْ
يُنــاوِلُني الـــــــرَّاحَ مِـنْ والِدَيْــــهِ
ويَمْحَضُني الودَّ محضَ الإخَــــــاءْ
فألــــثُمُ خَدَّيــــهِ طَلـــــــقَ المُحَيَّـــا
وأُزجي لَهُ الصَّدرَ جَهْــمَ الـرُّغـــاءْ
وأنشَى لِرَيَّـــاهُ ضَوعَ الـزُّهَيْــــــرا
تِ يَرْفَضُّ عنهــا النَّدَى والزُّهَــــاءْ
تَرِفُّ على مَســــبَـــحٍ مِنْ طُيـــوبٍ
ويَشدو لهـا الطَّيْــرُ عذبَ الغِنـــــاءْ
ويَبــسَــــمُ تَنـْـــداحُ عنْـــهُ التَّـــعِلَّا
تُ في مَأزَمِ الهَــــمِّ فِيـحَ الــرَّجــاءْ
لَهَـــا سَــــرْحَةٌ في عَصيـبِ البَلِيَّــا
تِ تَنجابُ لا عَنْ جَــوًى أو شقَــاءْ
ويَضحَكُ نُـحْ يـا صُداحَ الـمُـرِنَّــــا
تِ بُخْ حَالِيَ الأَيـكِ عِنْـدَ المَـســـاءْ
وأعيَـــا إذا مــــا بَــكَى غَيــــرَ دارٍ
لَــدَى الوَجْدِ مَــا هَــاجَهُ لِلـــبُكــاءْ
أجوبُ بِـــهِ البَيْـــتَ فِتْــــرًا بِفِـتْـــرٍ
على عاتِقٍ قَـــدْ عَـرَاهُ العَيَـــــــاءْ
مسوقًا مسَــاقَ المَطِيَّـــاتِ لا يَـــرْ
تَضِي حَوْمَةَ الطَّوفِ حتَّى العَنــاءْ
فــإِنْ آدَنِــي ذُدتُـــــهُ غَيْــرَ سَـــاهٍ
فَـأعْــوَلَ حتَّـى حَــــراهُ البُـــــكاءْ
يُــرَاوِحُ بالخَطوِ مَشيَ الهُوَيــنَـى
على إثرِ (تاتــا) جَهيــدَ المَشَــــاءْ
يُزَوْزِي ويَخطـو خُطًى لِلـمَليــــكِ
تَهادَتٍ بِــــهِ مِسحَـــةُ الكِــبريـَــاءْ
وإنْ هَـــــمَّ عَــنْ عثْــــرَةٍ بالقِيَــامِ
تهاوَى إلى الأرضِ مهوَى الـدِّلاءْ
يَــزِفُّ إلى فِيـــهِ مَـــا يَلــتَـقِيـــــهِ
حصًى أو نَـقًا أو كُـدًى أو لَفَــــاءْ
ويَلـهَـــــجُ بِالــشَّيءِ قـَــدْ يَختَـليهِ
ويَنْبــُو عَنِ الشَّيءِ جَمِّ الغنَـــــاءْ
يُمَصْمِصُ بِبـرونَـــهُ باشْتِهَــــــاءٍ
فِإنْ مَلَّــــهُ مَجَّــهُ كيْــفَ شَــــاءْ
وَيُـــرْدِفُ باللَّـــــقْمِ (مَمًّــا بِمَـــمٍّ)
بلا شبـــعَةٍ بَعْـــدَ جَهْــــــدِ البلاءْ
ويَلــزَمُ زُعْبـوطَهُ في الصُّلَيَّـــــــا
ويَنْبُــــذُهُ عِنْـــــدَ قَــرِّ الشِّتَــــــاءْ
ويُولِي الــدُّمَى وامِقًـا هَـــمْهَـمَاتٍ
ويُوسِعُهَا الرَّكْــلَ دونَ اقْتِــــضَاءْ
ويَغفو فَـلا الـــبَدرُ رَسْلٌ سنَـــــاهُ
يُهَــلهِــلُ بالنُّـورِ لُحْفَ الطَّخَــــاءْ
ويَصحو إذا داعَبَـتْ هَـــفْهَـــفاتٌ
رُؤاهُ ورَاهَـــاهُ نَفْـــحُ الهَــــــــواءْ
أَكَـــادُ أُجَـــنُّ إذا مَــــا عَــــــرَاهُ
مِنَ الوَقْــدِ لَفحٌ عَصِيُّ البَــــــرَاءْ
وإنْ أنَّ هَــــــاجَ الشَّجَى مِنْ شَقاهُ
نُــزَاءَ الحَنَـايا وَوَهْــــجَ الــرِّثــاءْ
ويَنـْساقُ في دلِّــــــــهِ إذْ أفـــاءَتْ
عَلَيــْــــهِ يَـــدُ اللَّـــــهِ بَردَ الشِّفاءْ
يُضَــرِّمُ مِــنْ عَـضِّهِ أنْمُــــــلاتٍ
تَضَجَّــرُ مِنهـَــــا مُشاشٌ طِــرَاءْ
ويَرقُشُ مِـنْ فَنِّـــــــهِ خَرْبَشَـــاتٍ
علَى الوَجْهِ لَكِــــنْ بِلَونِ الـدِّمـَاءْ
ولـوْلا اصْطِخابٌ لَـهُ كالهَـــريــرِ
لَمَـا لاحَ شَخْصُ لَــــهُ بِالفَـضَاءْ
سَألتُ لَــهُ اللَّــهَ سَـــعْـدَ الرَّضِيِّ
ورَوْحَ الخَلِـيِّ وسَـرْحَ الثَّــــــرَاءْ
وأنْ يُلهِـــمَ الخَطوَ مِنْــهُ الـرَّشادَ
ويَجْنُبَــــــهُ كَبْـــــوَةَ الأشْـقِيَــــأءْ
(محمد رشاد محمود)
…………….,………………………
رَغا الصَّبيُّ رُغاءً : بكَى أشَدَّ البكاء . الزُّهَاء : إشراقُ النَّبْت .
المُرِنَّات : الصَّائِحات .
الفِتْر (بكسر الفاء) : ما بَينَ طَرَف الإبهام وطَرَف المُشيرَة ، والمقصود : كلُّ مساحَةٍ من البَيت . آدَني : أجهَدَني . ذُدتُهُ : دَفَعتُهُ . أعوَلَ : رفَعَ صوتَهُ بالبكاء والصياح .
حَراهُ : أحرَقَ حلقَهُ وصَدرَهُ ورَأسَهُ مِن الغَيظ والوَجَع .
زَوْزَى يُزَوْزِي : نصَبَ ظَهرَهُ وقارَبَ الخَطوَ . النَّقا : العَظْم .
الكُدَى : جمعُ (كُديَة) ، وهيَ الشَّيءُ الصُّلبُ بينَ الحِجارَة والطِّين .
اللَّفاء : التُّراب . يَختَليهِ : يَجُزُّهُ جَزَّ النَّبات ، والمعنى : يُعَرِّضُه لِلهلاك .
الصُّلَيَّا : مُقاساةُ الحَرِّ . الرَّسلُ : الطَّلقُ . الطَّخاءُ : السَّحابُ المُرتَفِع .
المَشاش : جَمع (مُشاشَة) ، وهيَ رأسُ العَظم المُمكِن المَضْغ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق